بقلم - ناصرمضحي الحربي
في زحمة الحياة وضغوطاتها، قد يتعامل بعض الآباء والأمهات مع أطفالهم بقسوة غير مقصودة، أو بسخرية يعتبرونها “خفيفة دم”، أو بتوبيخ علني أمام الآخرين يظنونه من أدوات التربية. لكن ما لا يدركه كثيرون أن الطفل ليس كالبالغ، وأن كلمتنا حين تُلقى على سمعه لا تختفي بانتهاء الموقف، بل قد تبقى في ذاكرته كندبة لا يزيلها الزمن.
حين تضحك على طفلك، أو تتهكم من تصرفاته، أو تقلل من شأن رأيه أمام إخوته أو أصدقائه، فإنك لا تزرع فيه خفة ظل، بل تُهين كرامته وتغرس فيه شعورًا بالدونية. فالطفل لا يملك أدوات الدفاع عن النفس مثل البالغ، ولا يعرف كيف يعبّر عن ألمه بالكلمات، لكنه يتألم بصمت، وتتحوّل سخريتك إلى صوت داخلي يردده لنفسه كلما أراد أن يثق بذاته.
كثيرًا ما نسمع من يقول لابنه: “افعل كذا وإلا…”، أو “إن لم تسمع الكلام سأعاقبك”، أو “سترَ ماذا أفعل بك!”، معتقدًا أن التهديد وسيلة لضبط السلوك. لكن الحقيقة أن التهديد لا ينتج طفلًا مهذبًا، بل يولّد داخله مشاعر الخوف، أو التحدّي، أو العناد المكبوت. فالعلاقة التي تقوم على الترهيب تنفصل فيها مشاعر المحبة عن الاحترام، ويصبح الطفل متمردًا في الخفاء حتى لو بدا مُطيعًا في الظاهر.
الأسلوب الأنجح في التربية هو ذاك الذي يقوم على الرحمة والفهم والرفق. لا يعني ذلك التساهل أو ترك الحبل على الغارب، بل يعني أن نوجّه الطفل من منطلق محبة، وأن نُرشده بلطف، وأن نعلّمه أن الخطأ يُصحّح لا يُعاقَب عليه بإذلال. فحين يشعر الطفل أن والديه يحبّانه مهما أخطأ، وأن نصحهما له صادر من حرص وليس من غضب، فإنه ينصت ويستجيب، لا خوفًا بل ثقة.
فلنحذر كلماتنا معهم، ولنحفظ كرامتهم كما نحفظ قلوبهم. فلنكن لهم سندًا لا سيفًا، وسقفًا من أمان لا غيمة تهديد. أطفالنا لا يحتاجون إلى أن نخوّفهم ليتربوا، بل إلى أن نحبّهم ليفهموا الحياة بثقة وسلام.

إرسال تعليق
جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم